سلطات النيابة العامة
لقد تبين لنا مما سبق ذكره بأن مركزالنيابة العامة كخصم أو طرف في الدعوى العمومية نتج عنه تمتعها بمجموعة من الخصائص تميزهاعن قضاة الحكم والتحقيق. وبالإضافة إلى ذلك فإن مركز النيابة العامة كخصم يترتب عليه أيضا تمتعها بمجموعة من السلطات في ممارستها لعملها بأن خولها القانون مجموعة إختصاصات عبر المراحل الإجرائية المختلفة وهو ماسنحاول التطرق إليه فيما يلي.
االمبحث الأول:سلطات النيابة العامة في إدارة مرحلة البحث والتحري تقوم النيابة العامة بالإدارة والإشراف على جهاز الضبطية القضائية،فتنص المادة 12/2 ق إ ج :" يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي ويشرف النائب العام على الضبط القضائي بدائرة إختصاص كل مجلس قضائي .وذلك تحت رقابة غرفة الإتهام بذلك المجلس."
وتتجلى مظاهر هذه الإدارة والإشراف في أن رجال الضبط القضائي يقومون بتبليغ وكيل الجمهورية بكل ما يصل إليهم من معلومات عن الجريمة بواسطة الشكاوى والبلاغات، وحضور وكيل الجمهورية مكان الحادث يترتب عليه رفع الضابط يده عن البحث والتحري عن الجريمة المتلبس بها . وتبدو مظاهر الإدارة والإشراف أكثر في أن سلطة التصرف في نتائج البحث والتحري بوجه عام من إختصاص النيابة العامة ، إذ أن ضابط الشرطة عند انتهائه من عمله وتحريره محاضر الإستدلال يقوم بإرسالها لوكيل الجمهورية الذي يعود له وحده الإختصاص في اختيار الإجراء المناسب -عملا بسلطة الملاءمة - بين تحريك الدعوى العمومية بصفة عامة وبين الأمر بحفظها، بل إن القانون نفسه يقرر أن قاضي التحقيق رغم مايقرره له القانون من سلطة في مجال البحث والتحري في الجرائم المتلبس بها وحقه في اتخاذ جميع الإجراءات المقررة قانونا بنفسه أو بتكليف الضابط بذلك، تقرر له هذه السلطة عند عدم حضور وكيل الجمهورية فإذا حضر هذا الأخير فإن قاضي التحقيق يرفع يده عن القضية لغاية أن يطلب منه وكيل الجمهورية فتح تحقيق في الموضوع .
المبحث الثاني:سلطات النيابة العامة في مرحلة التحقيقتؤدي النيابة العامة دورا مهما في مرحلة التحقيق فهي الجهة التي تختار القاضي المحقق في الموضوع الذي تعرضه على قضاء التحقيق،كما أجاز لها القانون في حالات معينة أن تلحق بالقاضي المكلف بالتحقيق قاض أو عدة قضاة تحقيق سواء عند فتح التحقيق أو بناء على طلب من القاضي المكلف بالتحقيق أثناء سير الاجراءات ، وإذا كان القانون قد خول للنيابة العامة سلطة المتابعة والإتهام فإنه خولها أيضا سلطة التحقيق في حدود معينة استثناء من الأصل العام وسنتطرق إلى توضيح ذلك بشيء من التفصيل في الفصل الأول من بحثنا هذا.
. وهذا يعني إمتناع مباشرتها لأي إجراء من إجراءات التحقيق ما لم ينص القانون صراحة على ذلك وهي سلطة – أي التحقيق استثناء – أوكلت للنيابة بسبب أن قاضي التحقيق لم يخطر بعد بالقضية أو بمعنى آخر لم يضع يده عليها ، كالحالات المقررة في التلبس أو لعدم طلب وكيل الجمهورية منه فتح تحقيق وإما لعدم وجود قاضي التحقيق فاستدعت ظروف الحال تدخل وكيل الجمهورية عملا على عدم ضياع الحقيقة بتخويله سلطة مباشرة بعض إجراءات التحقيق ، وهذا ماسنوضحه بشيء من التفصيل في الفصل الثاني من بحثنا هذا .
المبحث الثالث:سلطات النيابة العامة في مرحلة المحاكمةللنيابة العامة سلطات عديدة أثناء نظر الدعوى العمومية أمام القضاء الجزائي فهي الجهة التي ترسل ملف الدعوى وأدلة الإتهام إلى أمانة ضبط المحكمة وفقا لنص المادة 269 إج ولها صلاحية توجيه الأسئلة مباشرة للمتهمين والشهود (المادة 288 ق إ ج) ، ولها أيضا تقديم ماتراه لازما من طلبات أمام جهات الحكم وعلى هذه الأخير ة أن تمكنها من إبداء طلباتها والتداول بشأنها طبقا للمادة 289 ق إ ج ، وللنيابة حق الطعن بالإستئناف والنقض في الأوامر والأحكام والقرارات الجزائية ، بحسب ما يقرره القانون في المواد 417،420 ،495 ،497 إ ج .
والأكثر من ذلك أن سلطات النيابة العامة تمتد إلى بعد المحاكمة وصدور الحكم إذ خولها القانون سلطة تنفيذ الأحكام الجزائية فنصت المادة 29 ق إ ج على أنه: " كما تتولى العمل على تنفيذ أحكام القضاء ولها في سبيل مباشرة وظيفتها أن تلجأ إلى القوة العمومية كما تستعين بضباط وأعوان الشرطة القضائية. " ، وتنص المادة 36 إ ج- سواء في صياغتها القديمة أو الجديدة الواردة في القانون رقم:06/22السابق الذكر- أيضا على اختصاص النيابة العامة بملاحقة تنفيذ قرارات التحقيق وجهات الحكم .
ومن خلال ما سبق يتبين لنا بأن النيابة العامة تحتل مركزا هاما في الخصومة الجزائية فهي – كما رأينا – خصم ممتاز وطرف مدع باسم الحق العام، وهي بذلك تتمتع بمجموعة من الخصائص والسلطات التي تميزها عن قضاة الحكم والتحقيق . ولاشك أن القانون عندما وضع النيابة العامة في هذا المركز الهام ومنحها مجموعة من السلطات ، فإن كل ذلك كان بهدف حماية حقوق الأفراد من الإنتهاكات التي تقع عليهم، وبالتالي تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون. وإلى جانب دور النيابة العامة في تحقيق العدل هناك أيضا جهة أخرى خارج سلك القضاء تساعد هذا الأخير في تحقيق العدالة وتعمل على إحترام مبدأ سيادة القانون وحماية حقوق المواطن وحرياته، تتمثل هذه الجهة في الدفاع أو ما يعرف بالمحاماة وهي مهنة حرة مستقلة تعمل على احترام حفظ حقوق الدفاع ، وقد نظم القانون كيفية ممارسة حق الدفاع ، ولكن التساؤلات التي يمكن أن تطرح في هذا المجال هي كالأتي : ما هي الأسس الرئيسية لحقوق الدفاع ؟ وما هي علاقة حقوق الدفاع بضمانات المتهم ؟ وهذا ما سنتولى الإجابة عنه في المبحث الموالي .